الملتحي المتوحش الفصل الثاني

الملتحي المتوحش

الملتحي المتوحش


الحلقة الثانية
الملتحي المتوحش

توفي جدي سندي في هذا العالم والحيد الذي أحبني واهتم بي فبكيته كثيرا لأني أعلم أن الحياة بدونه ستكون قاسية جدا. 

بعد وفاة جدي انقطعت عنا العائله وانقطعت صلتي الوحيدة بالدنيا فلم نعد نزور العائلة إلا في حالات المرض أو الوفاة فقط أما في الأفراح والمناسبات فلم يكن أحدا يدعونا. 


في الصف الثالث الثانوي اختار لي أخي مدرسات لدروسي ورفض أن أذهب لدى مدرسين من الرجال بحجة خوفه علي وربما لأن دروسهم تكلفتها باهظة.

وانهمكت في تحصيل دروسي على أمل أن ألتحق بالجامعة وعندها ستكون فرصتي لأنطلق للعالم الخارجي. لكنها كانت مجرد أوهام فقد نجحت في القسم الأدبي بمجموع يفوق ال90% .

لكن أخي أصر على دخولي كلية رياض أطفال لأنها قريبة من البيت ولأنها للبنات فقط. 

فطلبت منه أن أدرس في كلية البنات فرفض لبعد المسافة عن البيت ولأنها ستكلفنا مصاريف مواصلات باهظة وظروفنا المالية لاتحتمل بعد وفاة جدي وانقطاع مساعداته المالية .

وضآلة معاش أبي، كما أن أخي يعمل أحيانا وكثيرا ما يكون عاطلا بسبب تشدده الديني وتشاجره مع زملاؤه دائما.

لأنهم من وجهة نظره كفرة. عندما حاولت أن أرفض تحكم أخي بمستقبلي واستعنت بأعمامي فوجئت بهم يقولون:
-اسمعي كلام أخيك فهو ولي أمرك الأن وهو يعرف مصلحتك جيدا ولن نتدخل بينكما.


أدركت أنه بعد جدي لم يعد لي أحد يهتم بي في ذلك العالم، ضاعت أحلامي كلها هباءا وراء تحكمات أخي.

 وما زاد الأمر سوءا أنه وافق على خطبتي لأحد إخوانه- كما يطلق عليه- الذي يكبرني ب10 سنوات ويمتلك ورشة نجارة وتوقف في تعليمه على دبلوم صناعي.


لم أفكر حتى في الرفض فما جدواه طالما حسن قرر أنه مناسب لي.

كما أني لم أكن أجرؤ عليه وإلا كان جزائي الضرب والإهانة. فمثلي لا يحق لها الاختيار إنما ترضى بما يمنحه لها القدرأو ما يفرضه الأخرون فهم قدرها.


ذات يوم أفقنا على حدث زلزل كياننا ،في الفجر سمعنا طرقات على الباب وبعدها اقتحم مجموعه من الرجال بيتنا .

كلهم ملثمين ويرتدون ملابس سوداء،وبعد أن فتشوا الشقة جيدا وقلبوها رأسا على عقب اصطحبوا حسن معهم وسط ذهولنا وصراخ أمي وعرفنا منهم أنه متهم بالانضمام لجماعة إرهابية تخطط لقلب نظام الحكم.


حاولنا نفي التهمة لكن أحدا لم يستمع لنا إنما قال ضابط شاب لأمي:
-ياحاجة إننا ننفذ الأوامر فقط وإن كان حقا ابنك برئ فوكلي له محام يثبت برائته إن لم يكن يفعل من وراءك أشياء ولا تعلمينها.


بمجرد سماع الجيران للتهمة انعزلوا عنا جميعا خوفا من أن تلصق التهمة بأحدهم إن وقف معنا .

وعندما لجأت لأعمامي تخلوا عنا بحجة أنهم لايستطيعون تعريض أنفسهم وأولادهم للخطر بسبب حسن وأفعاله.

 وبقيت أنا وأمي المريضة بمفردنا في مواجهة العالم لأول مرة بدون رجل حقيقي- لأن خطيبي المحترم تخلى عنا خوفا على رزقه وعمله وخوفا من أن يأخذوه مع أخي- ولاخبرة لي في التعامل مع الناس.


كانت لي زميلة في الدراسه لها أخ محامي فطلبت منها مساعدتنا في قضية أخي فوافقت وأعطتني رقمه لأتواصل معه وأحكي له التفاصيل.


كنت أتلعثم وأنا أكلمه فتلك هي المرة الأولى التي أتحدث فيها مع رجل غريب .

لكني استطعت أن أوضح له ما حدث ووعدني ببذل كل جهده. 

في البداية بذل جهدا كبيرا حتى يعرف مكانه ويصل إليه ويحصل لنا على تصريح بزيارته ، وعند الزيارة حكيت له أن الكل تخلى عنا حتى خطيبي .


وأن المحامي أخ لزميلتي فطلب مني عدم الحضور لزيارته وإن أراد شيئا فسيرسل لي مع الأستاذ جمال المحامي. 

لم أكن أنا أو أخي نعلم أننا فتحنا على أنفسنا أبواب جهنم.

صار المحامي يتصل بي يوميا تقريبا ليحدثني عن القضية في البداية ثم صار يحدثني عن نفسه ويسألني عن نفسي.

وصار الحديث بيننا يوميا لا ينقطع وكنت سعيدة لأني أخيرا نلت إعجاب شخص ما واهتم بي، وبعد فترة من التواصل بيننا قال لي أنه معجب بي .


كنت في قمة سعادتي أخيرا وجدت من أنال اعجابه حتى دون أن يراني، أخيرا ستكون لي قصة كباقي البنات، أخيرا سيكون لي حبيب وستبتسم لي الحياة.

أخيرا شعرت أني لست أقل من أية فتاة إنما أنا جديرة بالحب والاهتمام وليس ذلك الاهتمام من شخص عادي بل من محام شاب ناجح ومستقبله كبير. 

كان جمال يغمرني بمشاعره ليل نهار حتى أنه نسي قضية حسن ونسيت معه نفسي ، تعلقت به وكلماته الرقيقة التي ملكت قلبي.

كان يجعلني أحلق في السماء من سعادتي وكم حلمت بعش الزوجية الذي يجمعني معه. طلب جمال مني أكثر من مرة أن نتقابل وحدنا بعيدا عن أعين الناس لكني كنت أرفض تماما لأني لم أقابل رجلا غريبا بمفردي من قبل .

كما طلب مني أن أرسل له صورتي بلا نقاب وألح علي وكدت أضعف أمام إلحاحه لولا خوفي من حسن أن يعرف فرفضت وغضب مني غضبا شديدا وانقطع عن الكلام معي عدة أيام.

كدت أجن عندما ابتعد عني فقد اعتدت اهتمامه ووجوده في حياتي وأشتاق بشده لسماع صوته وكلماته التي تطرب قلبي وتشعرني أنني أنثى.

مرت علي الأيام طويلة وصعبة وقاسية بلا مشاعر ولا اهتمام ، لكن بعد عدة أيام جاء لوالدتي يطلب يدي فقالت له إن الظروف غير مناسبة.

فقال لها اننا نحتاج لرجل يحمينا وأنه سيكون هذا الرجل، كانت فرحتي غامرة وأكبر من أن يستوعبها قلبي المشتاق للحب ، لكني أدركت أنه أيضا لا يستطيع الحياة بدوني.

كان لابد من وجود رجل معي أنا وأمي في غياب حسن فاتصلت بأعمامي لأخبرهم فتنصلوا جميعا من مسئوليتي وقالوا ليس لنا شأن.

بكيت كثيرا وترحمت على جدي فهو الوحيد الذي كان يحنو علينا حتى أكثر من والدنا وتيتمنا فعلا بعد موته.

جاء جمال يوم الخطبه بمفرده فقد كان والده متوفيا وعندما سألناه عن أسرته إدعى أن والدته مريضة بشدة وأن أخته معها لتعتني بها .

فأصبحت الخطبة قاصرة علي أنا وأمي وهو فقط فاتصلت أمي بجارتنا أم خالد – الوحيدة التي لم تقطع صلتها بنا- ودعتها للحضور هي و خالد –ذلك الملتحي المتجهم دائما الذي كان زميلا لحسن في المدرسة.


 وصديقه لمده طويله ثم فترت علاقتهم منذ أن انضم حسن للجماعة سبب سجنه، كنت أرى في خالد كائن متوحش فهو ضخم الجثة ،حاد الطبع،شديد التجهم- فحضرا معنا الخطبة وتمت قراءة الفاتحة ومنحني جمال دبلة ذهبية.

 وخاتم كدليل على خطبتنا ورفض خالد أن يدعه يلمس يدي أو يلبسني الدبلة بحجة أني لا أجوز له وكاد جمال أن يشتبك معه لولا تدخل أمي.


 التي قالت لي:
-خالد مثل حسن ويجب أن تطيعي كلامه
فجاءت أمي وألبستني الدبلة والخاتم وأطلقت أم خالد الزغاريد مع أمي لإعلام الجيران بخطبتي كعاداتنا ووزعت أمي علينا الشربات وأنا أشعر بالغضب من خالد ذلك المتطفل الذي لبس رداء أخي فجأة وصار يتحكم في وكأن قدري أن ينتقل زمام تحكمي من رجل لأخر.


بمجرد انصراف جمال قال خالد بحدة تشبه حدة حسن:
- يا خالتي هذه مجرد خطبة أي وعد بالزواج وليس له أية حقوق لايلمسها ولا يجلس بمفرده معها ولا يخرجا معا بمفردهما.


ليس معنى الخطبه أنه أصبح زوجها انتبهي له فهو مازال غريبا عنكما ولا تعرفانه جيدا.


كدت أقول له وما شأنك أنت أيها المتوحش حتى تتدخل في حياتنا ولكن أمي أسرعت وقالت:
- بالطبع يابني نعرف ذلك، شكرا لك يا ولدي وإن شاء الله سنكون بجوارك يوم فرحك.


انصرف هو وأمه وأنا أرمقه بنظرات غاضبة لم يرها من خلف النقاب ذلك الشاب الطويل العريض النكبين .

ذو البشرة السمراء والعيون السوداء الغاضبة دائما والشعر الأسود المجعد .

كل تلك الملامح تزيد من وحشيته وقساوته ، لكني سرعان ما نسيته بمجرد حديث جمال معي ،فقد ظل طوال الليل يحدثني في الموبايل عن حبه وغرامه وحلمه بأن أكون معه في بيته.

وأخبرني أنه سيسرع بإتمام الزواج لأنه لم يعد يطيق بعده عني ويريدني زوجته اليوم قبل غدا، كنت في منتهى السعادة بتلك المشاعر وأحلم كيف أسعده وأجعله مرتبطا بي لباقي عمره .

قصة للكاتبة نجلاء لطفي
تعليقات
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق



    وضع القراءة :
    حجم الخط
    +
    16
    -
    تباعد السطور
    +
    2
    -