قصة الملتحي المتوحش

 قصة الملتحي المتوحش

إن أردتم أن تحكموا على الناس فلابد أن تعيشوا نفس ظروفهم لذا فلاتحكموا على الناس قبل أن تخالطوهم وتعرفوهم حق المعرفة وحتى بعد ذلك دعوا الحكم لله المطلع وحده على مافي القلوب.

The story of the bearded savageقصة الملتحي المتوحش


الحلقة الأولى من قصة الملتحي المتوحش


أقبع خلف نقابي أراقب الناس فأراهم على حقيقتهم ولايرونني، أعرف حقيقتهم ولا يعرفونني، يظنون أني معقدة، أو أني شديدة الالتزام وهم لايعرفون حقيقتي ولا مافي قلبي ولم يحاول أحد منهم أن يقترب مني لحد كافٍ ليعرفني حق المعرفة .



فأنا لا أحد ولا أهم أحد حتى أني أحيانا أنني لا أهم نفسي حتى، لا أحد يعرف حقيقتي، ولم يحاول أحد معرفتها، حقيقتي تلك التي لم أعرفها بعد من أنا؟؟ وماذا أريد؟؟ لاأعرف!!



أنا فتاة نشأت بين أب أناني يعشق ذاته ولايبخل عليها بأي شئ حرام أو حلال، مدمن نساء وحشيش، أو هكذا قيل لي وسمعته من أمي والأخرين، وأم لم تكمل تعليمها ودائما ما تندب حظها السئ الذي أوقعها في هذا الرجل الكريه.


قاسي القلب عليها وعلينا، ولا أعرف لماذا لم تفكر في الطلاق لتنقذ نفسها وتنقذني أنا وأخي منه ومن مشاجراتهما اليومية التي لاتنتهي .


وكنا وقت تلك المشاجرات نختبئ أنا وأخي في غرفتنا خوفا من أن ينصب غضبه علينا ،فأغرق في بكاء مكتوم وأخفي رأسي في الوسادة حتى لا يصدر مني أية صوت، بينما ينفس أخي غضبه في كيس الملاكمة المعلق في حجرتنا فيضربه بعنف متخيلا إياه أبي الذي يكرهه بشدة. 


كبرت وأنا أكره الرجال -فلم أكن أتصور أن هناك من يختلفون عن أبي- وقررت بيني وبين نفسي أنني لن أتزوج أبدا حتى لا أقابل زوج مثل أبي وأعيش مقهورة وحزينة كأمي .


كان معظم الجيران يتجنبوننا بسبب غلظة أبي مع الجميع وقسوته علينا ما عدا جيراننا في الدور اللذي يعلونا فقد كان الرجل بلديات أبي ويعرفه جيدا وكثيرا ما كان يمنع أذاه عنا وعن أمي أو يصلح بينه وبين أمي.


 أما زوجته فكانت صديقة أمي التي تواسيها دائما ، و ابنهما خالد ذلك الفتى الضخم المتجهم فكان صديقا لأخي. كان هؤلاء الوحيدون الذين سمح لنا أبي بالاختلاط بهم وهم الوحيدون الذين احتملوا طبع أبي السيء. 


عندما بلغت العاشرة توفي أبي فجأة بلا مرض وتعهد جدي لأبي أن يتولى مصاريفنا ورعايتنا رغم اختلافه الدائم مع أبي ومقاطعته له كثيرا بسبب سوء سلوكه مع الناس ومعنا بل ومع إخوته ووالده أحيانا. 


كنا نجتمع مع أبناء أعمامي وعماتي في بيت جدي كل يوم جمعة حول طعام الغداء ونتبادل الأحاديث في ذلك الموعد المقدس لدى جدي الذي كان لا يسمح بغياب أحد عنه مهما كان عذره.


ولايسمح جدي بانصراف أحد قبل المغرب حتى تنشأ بيننا صلة لاتنقطع بعد موته، هكذا كان يقول لنا دائما. 


كنت أنا وأخي من المنبوذين بسبب سلوكيات أبي وسيرته وسلوكه مع الجميع ، لكن جدي كان يقف بالمرصاد لمن يذكره بسوء فنظرة واحدة منه كانت كفيلة بإسكات الجميع.


وكان جدي يشملنا بعطفه فيسألنا دوما عن أحوالنا وعما ينقصنا ويوفره لنا حتى لا نشعر أننا أقل من الأخرين.


لكننا كنا فعلا أقل ماديا وتعليميا، بل وكنا أقلهم ثقة في أنفسنا فقد أهدر أبي كل ممتلكاته وراتبه على نزواته.

متناسيا أن لديه أولاد يحتاجون ذلك المال ليعيشوا بكرامة فكل ما كان يعنيه في الكون هو ذاته فقط.


بدأ الجميع يعتاد وجودي أنا وأخي بينهم، كنا بعد الغداء ننقسم لفرق الكبار يتناولون القهوة مع جدي في الصالون .


والأولاد يلعبون الكرة في فناء المنزل ولم يكن أخي يلعب معهم إنما كان يأتي له شيخ ليحفظه القرأن لأنه كان الوحيد بين أبناء العائلة الذي لم يحفظ ولو حتى جزء من القرأن بسبب بعد أبي عن التدين وجهل أمي.


أماالبنات فكن يتجمعن في غرفة داخلية ويتبادلن الحكايات وما أدراكم ما حكايات البنات، أما أنا فكنت مجرد مستمعة لهن.

 

في البداية كن يخفن مني ولا يحكين أمامي كل شئ لكنهن مع الوقت اعتدن علي وصرن يحكين كل خصوصياتهن أمامي.


 وكثيرا ما كن يسألنني عن خصوصياتي فأقول لهن ليس لدي ما أحكيه، لم أكن أكذب فحقا لم يكن لدي ما أحكيه فمن سيهتم بتلك اليتيمة العجفاء الفقيرة التي بالكاد تجد ملابس ملائمة بسبب ضعف معاش والدي لأنه مات صغيرا.


كانت حياتي في مجملها خوف، كنت أخاف من أبي ثم من جدي ثم من المجهول الذي ينتظرنا، ولأن أخي كان يكبرني بخمس سنوات فكان يعتبر نفسه ولي أمري ولم يعد صديقي الذي يشاركني أفراحي وأحزاني.


فراح يأمرني وينهاني فصرت أخاف منه كما أخاف الجميع، خاصة بعد أن تحولت العلاقة بيننا لأوامر ونواهي فقط وضاع بيننا الود القديم.


كان أول أوامره القاسية على نفسي إجباري على لبس الحجاب وأنا في الحادية عشر من عمري، لم تعترض أمي -لأنها كانت ضعيفة الشخصية- وعندما اعترض جدي قال له أخي:


- إننا نعيش في منطقة شعبية وأخشى عليها من نظرات الناس وطمعهم فيها، خاصة أن أصحاب النفوس الدنيئة لايرحمون صغيرة أو كبيرة، وأنا أريد حماية أختي ليس أكثر.


فاقتنع جدي بكلامه واشترى لي ما يناسب الحجاب وشجعني عليه واكتفت أمي بقولها (لست الوحيدة المحجبة في ذلك العمر بل هناك كثيرات مثلك).


 لكني كنت كنت الوحيدة بين بنات العائلة المحجبة في هذه السن الصغيرة، وليتهم جميعا اهتموا بخُلقي كما اهتموا بستري وبشكلي بل لم يهتم أحد بتعليمي أن الحجاب فرض على البنت البالغة.


كما لم يهتم أحد بتعليمي تعاليم ديني ولا حتى الصلاة والغرض منها .


ولم يهتم أحد بتعويدي عليها فأمي لم تكن مواظبة على الصلاة ،وأبي لم يركع يوما ركعة واحدة، أما أخي فكان كل اهتمامه بشكلي لا بجوهري وكان هو نفسه معلوماته الدينية قليلة. 


كان الحجاب بالنسبة لي مجرد قيد على حركتي وحريتي، وعندما كبرت وظهرت علي معالم الأنوثة صار وسيلة لحجب جمالي وأنوثتي فقد كان ظاهرا للجميع أني أقتحم عالم الأنوثة بقوة بجسد متوسط الطول ممتلىء قليلا وبشرة بلون سنابل القمح.


وعيون سوداء واسعة ذات رموش طويلة وشعر أسود ناعم لكنه مقيد تحت غطاء رأسي وكم كنت أحلم أن أطلق له العنان. 


في سن الخامسة عشر انتبه أخي أني صرت أنثى ألفت الأنظار فأصرعلى ارتدائي عباءات سوداء واسعة  ومعها نقاب حاولت أن أعترض لأول مرة في حياتي فكان جزائي الضرب الشديد من أخي وقال:

- أتريدين أن يطمع الناس بك؟ أم أن تسوء سمعتك؟أم تريدين الحياة على هواك؟؟


لم أجبه ولكني كنت أريد أن أصرخ وأقول:

-بل أريد أن أستمتع بحياتي كغيري من الفتيات بلا قيود ولا خوف ولا إهانات.


لكني لم أجرؤ على فتح فمي وإلا كان مصيري المزيد من الضرب وبالطبع ستقول أمي جملتها المعتادة

-أطيعي أخيك وكفى عناد.


صار يجبرني عليه ويشدد عليه ألا يراني أحدا بدونه ، كنت أشعر أنني سجينة وأنه السجان الذي يحبسني خلف النقاب .


وزاد من تشدده معي انضمامه لبعض المتشددين دينيا المعروفين في المنطقة، وعندما نصحه جدي في أواخر أيامه بالابتعاد عنهم قال له:

-ياجدي إنهم ناس متقين يريدون تطبيق شرع الله ولا ضرر من صحبة الأتقياء.


كنت كلما إجتمعت مع بنات العائلة أواجه سيلا من السخرية منهن جميعا  ثم يبدأن في حكاية مغامراتهن وأنا أستمع صامتة، وسألتني ابنة عمي يوما:

- ألن تحكي لنا مغامراتك؟؟ لاتخافي لن نخبر حسن عنها.


-ليس لي مغامرات فحسن لايتركني أخرج بمفردي ولا حتى للمدرسة فمن سيعرفني بنقابي هذا ومن سيحبني وهو لايرى وجهي ولا يعرف إن كنت جميلة أم قبيحة؟؟


لم يتكرر السؤال مرة أخرى بل صرت موضع عطفهن وثقتهن جميعا، وحكت لي كل واحدة بمفردها قصة حبها التي تخفيها عن الجميع لأنها تعلم أنني الوحيدة التي لا أستطيع الإيقاع بحبيبها لوجودي الدائم تحت الحراسة المشددة.


 ولأني لا أمتلك موبايل حديث ولا إنترنت، ولأن حبيبها لن يفكر بفتاة لا يراها مثلي، ولأني كتومة قليلة الكلام كنت موضع ثقتهن.


يتبع الفصل الثاني من هنا 

https://www.et3lom.com/2022/06/-.html


تعليقات
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق



    وضع القراءة :
    حجم الخط
    +
    16
    -
    تباعد السطور
    +
    2
    -