الملتحي ألمتوحش الفصل السادس

الملتحي المتوحش الحلقة السادسة

-لقد رتبت لك أشيائك في الدولاب وأرجوك حافظ على النظام وخاصة مايتبقى من الطعام والعلب ضعها في كيس وأخرجها للزبال وهو يمر يوميا ،ولو احتجت لأي شئ أخبرني.



-شكرا لك
- سأغسل بيجامتك عندي ثم أعيدها إليك
-أرجوكي لاتغسليها أريدها هكذا
تعجبت من رغبته وقلت
- سأعيدها لك في الصباح.


لم أصدق عيناي عندما رأيتها نائمة على سريري ومرتدية بيجامتي التي تظهر ملامح جسدها الفاتن،وقفت مرتبكا لا أعرف ماذا أفعل أأغض بصري عنها ؟؟ 

هي حلالي، كم تمنيت لو أضمها إلى صدري ولكني تذكرت أنها مازالت بعيدة بمشاعرها عني ، وأيضا خشيت من ضعف نفسي فقاومتها بصعوبة وناديت إسمها لكنها لم تسمعني فلمست جسدها برفق وكان جسدي كله يرتجف .


فتلك المرة الأولى التي ألمس فيها امرأة غير أمي وهي ليست أية امرأة إنما حبيبة قلبي وأملي في الحياة فارتجف جسدي وفرح قلبي، لكني شعرت بالسعادة أكثر لأنها رتبت بيتي ونظمت ملابسي ونامت على سريري .


مما يعني أنها لمست كل شيء بيدها، وأنها شعرت بالأمان في بيتي وربما صرت قريبا من قلبها، ارتمى خالد على سريره وظل يقبل الوسادة التي نامت عليها ويحتضنها .


نزلت إلى بيتي وقلبي يخفق بشدة ولا أعلم لذلك سببا، ربما لأني أراه يبتسم ويمزح معي لأول مرة، وربما لأني رأيت في عينيه نظرة لم أعرفها من قبل ،نظرة اهتمام ربما أو نظرة إعجاب لا أعلم.


جاء في الصباح ليصطحبني للمدرسة كعادته فأعطيته كيس بلاستيك وضعت به البيجامة وقلت له بصوت منخفض أقرب للهمس:


- انا لم أغسل البيجامه كما طلبت مني
نظر إلي تلك النظرة مرة أخرى فوجدت جسدي كله يصيبه إضطراب واللهيب يصعد لوجنتي وحمدت الله أن نقابي يداري وجهي، وفي السيارة قال لي:
- لا أعرف كيف أشكرك على تعبك في تنظيف البيت الذي تحول لجنه


-ممكن أسألك سؤال؟
-طبعا
- هل تطبخ طعامك؟؟ أم تشتري طعام جاهز؟؟
-حاولت أن أطبخ وفشلت وأعتقد الأثار كانت واضحة في المطبخ فصرت أكل من المحلات حتى مرضت بمعدتي لكن ما العمل؟؟


-ممكن أقترح عليك حل؟؟ تأكل مما نأكل وإن كنت لا تريد أن تأكل معنا سأترك لك أكلك على المنضدة في شقتك
-لأ طبعا أنا لاأريد أن أتعبكم معي ولا أستطيع أن أكل على حسابكم.


-أنت دائما تقول إنتي زوجتي ولي حقوق عليك مما يعني إن لك حقوق علي أيضا وأعتقد أبسط حقوقك أنك تاكل أكل بيتي نظيف ويغذيك بدلا من أكل المحلات ، وهناك أيضا مصروفي أي أنني لن أنفق سوى من مالك.


-مصروفك ملكك ولا أعطيه لك لتنفقيه علي
-إهدأ ولنتكلم بالعقل أنت تحتاج لأكل بيتي ونحن نعده كل يوم يعني لن نفعل لك شئ مخصوص
- إذا سأعطيك كل أسبوع ما كنت أنفقه على طعام المحلات مقابل طعامي..ثم ابتسم وقال :
- وأريد أن أتذوق طعام من يد زوجتي..إذا كانت تعرف كيف تطهو ..أتعرف؟


-جرب وأحكم بنفسك
-أنا واثق أن أي شئ من صنع يدك سيكون لذيذ
لا أعلم لم صرت أنجذب إليه يوما بعد يوم ،وضاعت صورة ذلك المتوحش المتجهم ضخم الجثة الذي كنت أخافه وحلت محلها صورته وهو يبتسم وينظر إلي تلك النظرة التي تحرك كل ذرة في كياني وتحرك مشاعري بعنف.


صرت كل يوم بعد عودتي من المدرسة أقف لأعد له طعامه وبعد أول مرة قال لي :
- أشكري الحاجة الأكل كان رائعا
-الحمد لله أن طعامي أعجبك
-طعامك؟؟ أنت من صنعتيه؟؟ لم أكن أتخيل أنك طباخة ماهرة ، هذا سيجعلني أفكر بالتعجيل بالزواج.


بعد عدة أيام عرفنا من المحامي أن جلسة أخي ستكون بعد أسبوعين وطلبت من خالد أن أذهب أنا وأمي لنراه فوافق وذهبنا كان شاحبا صامتا هادئا على غير عادته ولم يعنفنا لأننا جئنا للزيارة ككل مرة، وهمس في أذني قائلا:


-غالبا الحكم لن يكون لصالحي لذا لا تأتوا لزيارتي مره أخرى حتى لاتكونوا تحت الأنظار وخاصة وأنت منتقبة، اهتمي بأمي وعجلي بزواجك من خالد لتكونوا في حماية رجل وخالد رجل فعلا.


تم تأجيل المحاكمة لجلسة أخرى، وعندما عدنا للمنزل مرضت أمي بشدة ونقلناها للمستشفى ولم تمض أكثر من يومين وماتت، بكيتها كثيرا وخالد يحاول أن أجعلني أتماسك. 


بعد انتهاء إجراءات الدفن عدت للبيت لأول مرة بدونها وشعرت بالفراغ الكبير الذي تركته في حياتي فرغم ضعفها كانت تمنحني حبها وحنانها بلا حدود والأن صار علي أن أتجرع مرارة اليتم والوحدة فلم يكن لي في الكون سواها والأن صرت بدونها وحيدة وضائعة. 


كنت أبكي كلما فعلت ما كانت تفعله وكلما تناولت طعامي بدونها، تحولت لفتاة شاحبة بلا روح ولا حياة.


بعد عدة أيام قال خالد :
- أعتقد أن زواجنا الأن صار ضرورة ولا يمكن تأجيله
تذكرت كلام حسن ووحدتي فوافقت وحددنا أخر الأسبوع لإتمام الزواج.


في المساء وصلتني رسالة على الموبايل من جمال يقول لي: ( لاتظني أنني سأتركك لحبيب القلب ليتمتع بك ).


شعرت بخوف شديد وفكرت أن أخبر خالد ولكن خفت من عصبيته التي قد تدفعه لقتل جمال وأفقده هو الأخر، فكلمت مديرتي في العمل فهي من أقرب الناس لخالد وتستطيع التأثير عليه.


حكيت لها الحكاية من البداية بكل تفاصيلها فوعدتني أن تتصرف، وفي اليوم التالي وجدت خالد يحدثني على الموبايل بعصبية وقال:


-لم لم تخبريني؟؟ ألا تثقين بي؟؟
-خفت أن تتهور وتضيع أنت أيضا وأنا لم يعد لي سواك
فرق صوته وقال:
- خائفة مني أم علي؟؟


فلم أجبه فقال:
-استعدي سأمر عليك لنذهب للبوليس لعمل محضر
ذهبنا للبوليس وأبلغنا بما حدث وعملنا محضر عدم تعرض وأي شئ سيحدث لي أو لخالد سيكون جمال هو من تسبب فيه.

ظننت أني تخلصت من جمال نهائيا ولكني فوجئت في اليوم التالي بالقبض على خالد بتهمة الإنتماء لجماعة إرهابية تحرض على قلب نظام الحكم.


شعرت برعب وفزع أحقا خالد هكذا؟؟ لم أصدق فهو مسالم وليس له علاقه بالسياسة لامن قريب ولا من بعيد. 


وبعد ساعه وصلتني رسالة من رقم مجهول تقول ( لقد نال ما يستحق عما فعله بي ولن يمنعك أحد مني بعد الأن) ، إنه الملعون جمال هو من دبر له هذا، شعرت برعب رهيب فقد يقتحم البيت ويغتصبني كما حاول من قبل.


اتصلت بمديرتي مدام إيمان فأتت إلي وأصرت على أن أجمع ملابسي وأذهب معها لبيتها وهناك نستطيع التفكير بهدوء فوافقت ،لكني خفت أن يكون جمال يراقبني فاتصلت ببعض زميلاتي في العمل وحضرن إلي وألبستهن جميعا النقاب وخرجنا معا ولا أحد يستطيع أن يميز واحدة من الأخرى وذهبت كل واحدة في إتجاه وبعد خروجهن خرجت مع مدام إيمان.



هكذا ذهبت لبيت مدام إيمان وأنا محطمة نفسيا تماما فزوجي وأخي بالسجن وأنا معرضة لتهديد إنسان سافل لاضمير له، بكيت كثيرا ودعوت الله كثيرا ورجوته أن يفك الكرب .

في المساء اتصلت مدام إيمان بأحد معارفها في الشرطة وأخبرته بما حدث ووعدنا بالبحث في الأمر وأصر على بقائي عندها وعدم إخبار أي شخص مهما كان بمكاني.


كما نهاني عن الخروج من البيت لأي سبب، إذا أصبحت حبيسة مثل حسن وخالد لم يحزنني ذلك بل على الأقل أشاركهما في إحساسهما. ظلت رسائل جمال تتوالى على موبايلي من أرقام مختلفه وكنت أرسلها بأرقامها للظابط الذي طلب مني مجاراته ليستطيع القبض عليه.


وبالفعل تحدثت معه هاتفيا وأخبرني أنه من لفق التهمه لخالد لينتقم منه و لأصبح له وحده ، فأظهرت له خوفي وهلعي وطلبت لقاؤه حتى نستطيع التفاهم أكثر فوافق.


بالطبع سجلت تلك المكالمة وأرسلتها للظابط الذي اتخذ إجراءاته وفي ميعاد اللقاء تم القبض عليه، وفي نفس اليوم اتصل بي محامي أخي وأخبرني أنه تم الحكم ببراءته وكلها أيام قليلة وسيعود للبيت .


فبكيت من فرحتي وسجدت شكرا لله الذي لم يتخل عني رغم تقصيري .


تم الإفراج عن أخي وعدنا لبيتنا وأنا شعر بالأمان لوجوده معي، لكنه خرج إنسان مختلفا تماما عما كان عليه هادئ ولا يتكلم كثيرا ويؤدي عباداته بالبيت وهجر المسجد تماما مما أحزنني فما علاقة المسجد بعقول الناس وسلوكياتهم؟ 


ولمَ نبتعد عن الله في الوقت الذي يجب أن نقترب منه أكثر وأكثر؟ سألت الله أن يغفر له فهو بشر وله طاقته وأخطاؤه.

لكن أكثر مالفت نظري في سلوك حسن بعد الإفراج أنه كان كثيرا ما يقوم من نومه مفزوعا، أدركت أنه عانى في السجن كثيرا ، حاولت أن أخفف عنه فلم أفلح لأنه كان يلتزم الصمت ويتشيث بخلوته في غرفته.


مازاد الوضع سوءا أنه لم يجد أي مجالا ليعمل فيه، إلا أن بعض معارفه وعدوه بإيجاد فرصة عمل في الخليج وظل حسن ينتظر تلك الفرصه بفارغ الصبر وحتى ذلك الحين كنا ننفق من راتبي الضئيل ومصاريف جنازة والدتي التي صرفتها لنا هيئة المعاشات.




تعليقات
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق



    وضع القراءة :
    حجم الخط
    +
    16
    -
    تباعد السطور
    +
    2
    -