إعراب و تفسير سورة البقرة وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً وَما جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْها إِلاَّ لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلى عَقِبَيْهِ وَإِنْ كانَتْ لَكَبِيرَةً إِلاَّ عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ وَما كانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمانَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ (143) تفسير سورة البقرة
إعراب و تفسير سورة البقرة وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا تفسير سورة البقرة
⬤ وَكَذلِكَ: الواو: استئنافية.
الكاف: كاف التشبيه بمعنى «مثل» اسم مبني على الفتح في محل رفع مبتدأ وخبره الجملة الفعلية «جَعَلْناكُمْ» أو في محل نصب نائب أو صفة لمفعول مطلق مقدر.
ذا: اسم إشارة مبني على السكون في محل جر بالاضافة.
اللام للبعد.
والكاف للخطاب.
⬤ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً: فعل ماض مبني على السكون لاتصاله بضمير الرفع «نا» ضمير متصل مبني على السكون في محل رفع فاعل الكاف: ضمير متصل مبني على الضم في محل نصب مفعول به والميم: علامة جمع الذكور.
أمة: مفعول به ثان منصوب وعلامة نصبه الفتحة.
⬤ وَسَطاً لِتَكُونُوا: بمعنى: عدلا.
أي معتدلين: صفة أمة منصوبة مثلها بالفتحة.
لتكونوا: اللام: لام التعليل وهي حرف جر.
تكونوا فعل مضارع ناقص منصوب بأن مضمرة بعد لام التعليل وعلامة نصبه: حذف النون لانه من الافعال الخمسة.
الواو: ضمير متصل في محل رفع اسم «كان» والألف: فارقة.
و «أن» المضمرة وما بعدها بتأويل مصدر في محل جر بلام التعليل والجار والمجرور متعلق بجعلناكم.
وجملة «تكونوا» صلة «أن» المصدرية لا محل لها.
⬤ شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ: خبر «تكونوا» منصوب بالفتحة وهو ممنوع من الصرف لأنه على وزن- فعلاء- على الناس: جار ومجرور متعلق بشهداء.
⬤ وَيَكُونَ الرَّسُولُ: الواو: عاطفة يكون: معطوف على «تكونوا» منصوب مثله وعلامة نصبه الفتحة.
الرسول: اسم «يَكُونَ» مرفوع وعلامة رفعه الضمة.
⬤ عَلَيْكُمْ شَهِيداً: جار ومجرور متعلق بيكون أو بحال مقدمة من شهيدا والميم علامة جمع الذكور.
شهيدا: خبر «يَكُونَ» منصوب وعلامة نصبه الفتحة
⬤ وَما جَعَلْنَا: الواو: استئنافية.
ما: نافيه لا عمل لها.
جعلنا: فعل ماض مبني على السكون.
و «نا» ضمير متصل في محل رفع فاعل.
⬤ الْقِبْلَةَ الَّتِي: القبلة: مفعول به أول منصوب بالفتحة.
التي: إسم موصول مبني على السكون في محل نصب مفعول به ثان أو صفة نائبة عن مفعول به ثان للفعل «جَعَلْنَا» يريد القول: وما جعلنا القبلة الجهة.
التي كنت عليها وهي الكعبة.
⬤ كُنْتَ عَلَيْها: كنت: فعل ماض ناقص مبني على السكون لاتصاله بضمير الرفع المتحرك.
والتاء: ضمير متصل مبني على الفتح في محل رفع اسم «كان».
عليها: جار ومجرور متعلق بخبر «كُنْتَ» وجملة «كُنْتَ عَلَيْها» صلة الموصول لا محل لها.
⬤ إِلَّا لِنَعْلَمَ: إلّا: أداة حصر لا عمل لها.
لنعلم: اللام: لام التعليل وهي حرف جر.
نعلم: فعل مضارع منصوب بأن مضمرة بعد لام التعليل.
وعلامة نصبه: الفتحة.
والفاعل: ضمير مستتر وجوبا تقديره: نحن و «أن» المضمرة وما بعدها: بتأويل مصدر في محل جرّ باللام والجار والمجرور متعلق بجعلنا.
وجملة «نعلم» صلة «أن» المضمرة لا محل لها.
⬤ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ: من: اسم موصول مبني على السكون في محل نصب مفعول به للفعل «نعلم».
يتبع: فعل مضارع مرفوع بالضمة.
والفاعل: ضمير مستتر جوازا تقديره: هو.
وجملة «يَتَّبِعُ» صلة الموصول لا محل لها من الإعراب.
الرسول: مفعول به منصوب بالفتحة.
ويجوز إعراب «مَنْ» اسم استفهام في محل رفع مبتدأ.
و «يَتَّبِعُ» جملة فعلية في محل رفع خبر «مَنْ» والجملة الاسمية «مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ» في محل نصب مفعول به للفعل «نعلم».
⬤ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ: مكونة من «من» البيانية حرف جرّ و «من» اسم موصول مبني على السكون في محل جرّ بمن.
والجار والمجرور متعلق بحال محذوفة من الموصول «مَنْ» في «مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ».
ينقلب: فعل مضارع بحال محذوفة من والفاعل ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو.
بمعنى «يرتد ويرجع».
وجملة ينقلب صلة الموصول لا محل لها.
⬤ عَلى عَقِبَيْهِ: جار ومجرور متعلق بينقلب وعلامة جر الاسم: الياء لأنه مثنى.
وحذفت نونه للاضافة.
والهاء: ضمير متصل في محل جر بالاضافة.
⬤ وَإِنْ كانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا: الواو: اعتراضية.
إن: هي «إِنْ» الثقيلة مخففة عنها لا عمل لها لانها دخلت على جملة فعلية.
كانت: فعل ماض ناقص مبني على الفتح.
والتاء: تاء التأنيث الساكنه واسمها: ضمير مستتر جوازا تقديره: هي يعود الى ما دلّ عليه قوله: وما جعلنا القبلة التي كنت عليها من الردة ويجوز أن يعود إلى «الْقِبْلَةَ».
لكبيرة: اللام: فارقة لازمة لأن المخففة.
كبيرة: خبر «كان» منصوب بالفتحة.
إلّا: أداة حصر لا عمل لها.
⬤ عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ: جار ومجرور متعلق بكبيرة.
الذين: إسم موصول مبني على الفتح في محل جر بحرف الجر.
هدى: فعل ماض مبني على الفتح المقدر على الألف للتعذر.
الله لفظ الجلالة: فاعل مرفوع بالضمة.
جملة «هَدَى اللَّهُ» صلة الموصول لا محل لها.
والعائد إلى الموصول ضمير محذوف منصوب المحل لأنه مفعول به.
التقدير: على الذين هداهم الله واختارهم.
⬤ وَما كانَ اللَّهُ: الواو: استئنافية.
ما: نافية لا عمل لها.
كان: فعل ماض ناقص مبني على الفتح.
الله: اسم «كانَ» مرفوع للتعظيم وعلامة رفعه الضمة
وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس اعراب
⬤ لِيُضِيعَ إِيمانَكُمْ: اللام: لام الجحود «النفي» وهي حرف جر.
يضيع: فعل مضارع منصوب بأن مضمرة بعد لام الجحود.
والفاعل: ضمير مستتر جوازا تقديره: هو.
«ان» المضمرة بعد لام الجحود وما بعدها: يتأويل مصدر في محل جر بلام الجحود.
والجار والمجرور متعلق بخبر «كانَ» المحذوف.
التقدير: مريدا.
إيمانكم: مفعول به منصوب وعلامة نصبه الفتحة.
الكاف: ضمير متصل في محل جر بالاضافة والميم: علامة الجمع.
⬤ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ: حرف نصب وتوكيد مشبه بالفعل.
الله: اسم «إِنْ» منصوب للتعظيم وعلامة رفعه الفتحة.
بالناس: جار ومجرور متعلق برؤوف.
⬤ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ: اللام لام التوكيد- المزحلقة- رءوف: خبر «إِنْ» مرفوع بالضمة.
رحيم: صفة لرءوف مرفوعة مثله بالضمة.
إعراب و تفسير سورة البقرة وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا تفسير سورة البقرة
تفسير سورة البقرة﴿وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا ۗ وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَىٰ عَقِبَيْهِ ۚ وَإِنْ كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ ۗ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ﴾ [تفسير سورة البقرة(143)]
تفسير سورة البقرة
وقوله تعالى : ( وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا ) يقول تعالى : إنما حولناكم إلى قبلة إبراهيم ، عليه السلام ، واخترناها لكم لنجعلكم خيار الأمم ، لتكونوا يوم القيامة شهداء على الأمم ; لأن الجميع معترفون لكم بالفضل . والوسط هاهنا : الخيار والأجود ، كما يقال : قريش أوسط العرب نسبا ودارا ، أي : خيرها . وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم وسطا في قومه ، أي : أشرفهم نسبا ، ومنه الصلاة الوسطى ، التي هي أفضل الصلوات ، وهي العصر ، كما ثبت في الصحاح وغيرها ، ولما جعل الله هذه الأمة وسطا خصها بأكمل الشرائع وأقوم المناهج وأوضح المذاهب .
كما قال تعالى : ( هو اجتباكم وما جعل عليكم في الدين من حرج ملة أبيكم إبراهيم هو سماكم المسلمين من قبل وفي هذا ليكون الرسول شهيدا عليكم وتكونوا شهداء على الناس ) [ الحج : 78 ]
وقال الإمام أحمد : حدثنا وكيع ، عن الأعمش ، عن أبي صالح ، عن أبي سعيد قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يدعى نوح يوم القيامة فيقال له : هل بلغت ؟ فيقول : نعم . فيدعى قومه فيقال لهم : هل بلغكم ؟ فيقولون : ما أتانا من نذير وما أتانا من أحد ، فيقال لنوح : من يشهد لك ؟ فيقول : محمد وأمته " قال : فذلك قوله : ( وكذلك جعلناكم أمة وسطا ) .
تفسير سورة البقرة. ابن كثير وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا. تفسير سورة البقرة
قال : الوسط : العدل ، فتدعون ، فتشهدون له بالبلاغ ، ثم أشهد عليكم .
رواه البخاري والترمذي والنسائي وابن ماجه من طرق عن الأعمش ، [ به ] .
وقال الإمام أحمد أيضا : حدثنا أبو معاوية ، حدثنا الأعمش ، عن أبي صالح ، عن أبي سعيد الخدري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يجيء النبي يوم القيامة [ ومعه الرجل والنبي ] ومعه الرجلان وأكثر من ذلك فيدعى قومه ، فيقال [ لهم ] هل بلغكم هذا ؟ فيقولون : لا . فيقال له : هل بلغت قومك ؟ فيقول : نعم . فيقال [ له ] من يشهد لك ؟
فيقول : محمد وأمته . فيدعى بمحمد وأمته ، فيقال لهم : هل بلغ هذا قومه ؟ فيقولون : نعم . فيقال : وما علمكم ؟ فيقولون : جاءنا نبينا صلى الله عليه وسلم فأخبرنا أن الرسل قد بلغوا " فذلك قوله عز وجل : ( وكذلك جعلناكم أمة وسطا ) قال : " عدلا ( لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا ) " .
وقال الإمام أحمد أيضا : حدثنا أبو معاوية ، حدثنا الأعمش ، عن أبي صالح ، عن أبي سعيد الخدري ، عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى : ( وكذلك جعلناكم أمة وسطا ) قال : " عدلا " .
إوكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس
وروى الحافظ أبو بكر بن مردويه وابن أبي حاتم من حديث عبد الواحد بن زياد ، عن أبي مالك الأشجعي ، عن المغيرة بن عتيبة بن نهاس : حدثني مكتب لنا عن جابر بن عبد الله ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : " أنا وأمتي يوم القيامة على كوم مشرفين على الخلائق . ما من الناس أحد إلا ود أنه منا . وما من نبي كذبه قومه إلا ونحن نشهد أنه قد بلغ رسالة ربه ، عز وجل " .
تفسير سورة البقرة
تفسير سورة البقرة
وروى الحاكم ، في مستدركه وابن مردويه أيضا ، واللفظ له ، من حديث مصعب بن ثابت ، عن محمد بن كعب القرظي ، عن جابر بن عبد الله ، قال : شهد رسول الله صلى الله عليه وسلم جنازة ، في بني سلمة ، وكنت إلى جانب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال بعضهم : والله يا رسول الله لنعم المرء كان ، لقد كان عفيفا مسلما وكان . . . وأثنوا عليه خيرا . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أنت بما تقول " .
فقال الرجل : الله أعلم بالسرائر ، فأما الذي بدا لنا منه فذاك . فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " وجبت " . ثم شهد جنازة في بني حارثة ، وكنت إلى جانب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال بعضهم : يا رسول الله ، بئس المرء كان ، إن كان لفظا غليظا ، فأثنوا عليه شرا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لبعضهم : " أنت بالذي تقول " . فقال الرجل : الله أعلم بالسرائر ، فأما الذي بدا لنا منه فذاك . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " وجبت " .
قال مصعب بن ثابت : فقال لنا عند ذلك محمد بن كعب : صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم قرأ : ( وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا )
ثم قال الحاكم : هذا حديث صحيح الإسناد ، ولم يخرجاه .
وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء
وقال الإمام أحمد : حدثنا يونس بن محمد ، حدثنا داود بن أبي الفرات ، عن عبد الله بن بريدة ، عن أبي الأسود أنه قال : أتيت المدينة فوافقتها ، وقد وقع بها مرض ، فهم يموتون موتا ذريعا . فجلست إلى عمر بن الخطاب ، فمرت به جنازة ، فأثني على صاحبها خير . فقال : وجبت وجبت . ثم مر بأخرى فأثني عليها شر ، فقال عمر : وجبت [ وجبت ] . فقال أبو الأسود : ما وجبت يا أمير المؤمنين ؟ قال : قلت : كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أيما مسلم شهد له أربعة بخير أدخله الله الجنة " . قال : فقلنا . وثلاثة ؟ قال : " وثلاثة " . قال ، فقلنا : واثنان ؟ قال : " واثنان " ثم لم نسأله عن الواحد .
وكذا رواه البخاري ، والترمذي ، والنسائي من حديث داود بن أبي الفرات ، به .
قال ابن مردويه : حدثنا أحمد بن عثمان بن يحيى ، حدثنا أبو قلابة الرقاشي ، حدثني أبو الوليد ، حدثنا نافع بن عمر ، حدثني أمية بن صفوان ، عن أبي بكر بن أبي زهير الثقفي ، عن أبيه ، قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم بالنباوة يقول : " يوشك أن تعلموا خياركم من شراركم " قالوا : بم يا رسول الله ؟ قال : " بالثناء الحسن والثناء السيئ ، أنتم شهداء الله في الأرض " . ورواه ابن ماجه عن أبي بكر بن أبي شيبة ، عن يزيد بن هارون . ورواه الإمام أحمد ، عن يزيد بن هارون ، وعبد الملك بن عمر وشريح ، عن نافع عن ابن عمر ، به .
وقوله تعالى : ( وما جعلنا القبلة التي كنت عليها إلا لنعلم من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه وإن كانت لكبيرة إلا على الذين هدى الله ) يقول تعالى : إنما شرعنا لك يا محمد التوجه أولا إلى بيت المقدس ، ثم صرفناك عنها إلى الكعبة ، ليظهر حال من يتبعك ويطيعك ويستقبل معك حيثما توجهت ممن ينقلب على عقبيه ، أي : مرتدا عن دينه ( وإن كانت لكبيرة ).
أي : هذه الفعلة ، وهو صرف التوجه عن بيت المقدس إلى الكعبة ، أي : وإن كان هذا الأمر عظيما في النفوس ، إلا على الذين هدى الله قلوبهم ، وأيقنوا بتصديق الرسول ، وأن كل ما جاء به فهو الحق الذي لا مرية فيه ، وأن الله يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد ، فله أن يكلف عباده بما شاء ، وينسخ ما يشاء ، وله الحكمة التامة والحجة البالغة في جميع ذلك ، بخلاف الذين في قلوبهم مرض ، فإنه كلما حدث أمر أحدث لهم شكا ، كما يحصل للذين آمنوا إيقان وتصديق ، كما قال الله تعالى : ( وإذا ما أنزلت سورة فمنهم من يقول أيكم زادته هذه إيمانا فأما الذين آمنوا فزادتهم إيمانا وهم يستبشرون وأما الذين في قلوبهم مرض فزادتهم رجسا إلى رجسهم ) [ التوبة : 124 ، 125 ] .
وقال تعالى : ( قل هو للذين آمنوا هدى وشفاء والذين لا يؤمنون في آذانهم وقر وهو عليهم عمى ) [ فصلت : 44 ] وقال تعالى : ( وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين ولا يزيد الظالمين إلا خسارا ) [ الإسراء : 82 ] . ولهذا كان من ثبت على تصديق الرسول صلى الله عليه وسلم واتباعه في ذلك ، وتوجه حيث أمره الله من غير شك ولا ريب ، من سادات الصحابة . وقد ذهب بعضهم إلى أن السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار هم الذين صلوا القبلتين .
وقال البخاري في تفسير هذه الآية :
حدثنا مسدد ، حدثنا يحيى ، عن سفيان ، عن عبد الله بن دينار ، عن ابن عمر قال : بينا الناس يصلون الصبح في مسجد قباء إذ جاء رجل فقال : قد أنزل على النبي صلى الله عليه وسلم قرآن ، وقد أمر أن يستقبل الكعبة فاستقبلوها . فتوجهوا إلى الكعبة .
وقد رواه مسلم من وجه آخر ، عن ابن عمر . ورواه الترمذي من حديث سفيان الثوري وعنده : أنهم كانوا ركوعا ، فاستداروا كما هم إلى الكعبة ، وهم ركوع . وكذا رواه مسلم من حديث حماد بن سلمة ، عن ثابت ، عن أنس ، مثله ، وهذا يدل على كمال طاعتهم لله ورسوله ، وانقيادهم لأوامر الله عز وجل ، رضي الله عنهم أجمعين .
وقوله : ( وما كان الله ليضيع إيمانكم ) أي : صلاتكم إلى بيت المقدس قبل ذلك لا يضيع ثوابها عند الله ، وفي الصحيح من حديث أبي إسحاق السبيعي ، عن البراء ، قال : مات قوم كانوا يصلون نحو بيت المقدس فقال الناس : ما حالهم في ذلك ؟ فأنزل الله تعالى : ( وما كان الله ليضيع إيمانكم ) .
[ ورواه الترمذي عن ابن عباس وصححه ] .
وقال ابن إسحاق : حدثني محمد بن أبي محمد ، عن عكرمة أو سعيد بن جبير ، عن ابن عباس : ( وما كان الله ليضيع إيمانكم ) أي : بالقبلة الأولى ، وتصديقكم نبيكم ، واتباعه إلى القبلة الأخرى . أي : ليعطيكم أجرهما جميعا . ( إن الله بالناس لرءوف رحيم ).
وقال الحسن البصري : ( وما كان الله ليضيع إيمانكم ) أي : ما كان الله ليضيع محمدا صلى الله عليه وسلم وانصرافكم معه حيث انصرف ( إن الله بالناس لرءوف رحيم ).
وفي الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى امرأة من السبي قد فرق بينها وبين ولدها ، فجعلت كلما وجدت صبيا من السبي أخذته فألصقته بصدرها ، وهي تدور على ولدها ، فلما وجدته ضمته إليها وألقمته ثديها . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أترون هذه طارحة ولدها في النار ، وهي تقدر على ألا تطرحه ؟ " قالوا : لا يا رسول الله . قال : " فوالله ، لله أرحم بعباده من هذه بولدها " .