pop: الفصل الأول رواية دفاتر لا تخصّك
banner:
📁 آخر الأخبار

الفصل الأول رواية دفاتر لا تخصّك

رواية دفاتر لا تخصّك الفصل الاول





الفصل الأول قصة دفاتر لا تخصّك 


 أصبحت الحياة كخيطٍ رفيع من الخيال الذي نعيشه، حيث تتساقط آمالنا مثل الثلج، شديدة البرودة على قلوبنا المحطمة.


كالعادة، كانت الغرفة تغرق في صمتٍ ثقيل وظلامٍ خافت لا يقطعه سوى ضوءٍ باهتٍ متسلّل من خلف الستارة نصف المفتوحة. لم تكن تُحب النور، ولا تُحب ما يكشفه النور. كانت تحب الاختباء، تأنس بالعتمة، كأنها حامية لها من قسوة العالم.


كانت تجلس على طرف السرير، ظهرها منحني، وكتفاها يهتزان ببكاءٍ مكتوم. لم يكن هناك من يسمع، لم يكن هناك من يشعر. فقط ذلك الضوء المُزعج الذي تسلل إلى غرفتها وكأنه يسخر منها، يُذكّرها أن هناك نهارًا ينتظرها بالخارج، بينما كل شيء بداخلها يصرخ.


قامت ببطء، وكأنها تُجرّ قدميها جَرًّا، وسارت نحو النافذة. بيدين مرتجفتين، سحبت الستارة وأغلقت الزجاج بإحكام، ثم عادت تتنفس بعمق. بعدها، اتجهت إلى الحمّام، توضأت، والماء البارد على وجهها أيقظ شيئًا قديمًا في قلبها... شيئًا كانت تظنه مات.


وقفت أمام المرآة. نظرت إلى انعكاسها طويلًا، وكأنها تحاول أن تتعرّف على الفتاة التي أمامها. عيناها محمرّتان، وجهها شاحب، ونظرتها... تلك النظرة، كانت مليئة بالقهر، بالحزن، وبأشياء أخرى لا يمكن وصفها بالكلمات.


تركت المرآة دون أن تزيح نظرها عنها، ثم عادت إلى سجادتها، تؤدي صلاة الظهر، تحاول أن تتشبّث بأي شيء يبقيها واقفة. وبعد أن انتهت، تمددت على السرير، ولم تحتج سوى دقائق قليلة حتى غفت، وكأنها تهرب من العالم بنومٍ عميق لا أحلام فيه.


مرت الساعات بصمت. وعند الساعة السابعة مساءً، دوّى صوت المنبه فجأة في الغرفة، قاطعًا ذلك السكون الثقيل.


تحركت ببطء، فتحت عينيها على مضض، جلست، تمطّت قليلاً ثم وقفت وأكملت ما تبقى من فروضها، بصوتٍ خافتٍ ونَفَسٍ ثقيل. وبعد دقائق، انفتح باب الغرفة بهدوء، ودخل إسلام، كالعادة، بابتسامته التي لا تفارقه.


إسلام (بمزاح خفيف): صباح الخير على أجمل رورو في الدنيا كلها!


روان (بنبرة ساخرة وهي تنظر إلى الساعة): أصدق مساء الخير يا أستاذ!


إسلام (ضاحكًا وهو يقترب منها): طب ما هو أنا لسه صاحي، فاعتبريني لسه في صباحي! يلا يا ماما، قومي البسي بقى، علشان هأكلك أحلى شاورما فيكي يا مصر.


كانت تنظر إليه... بعينين ممتلئتين بالدموع. لم تجبه فورًا. فقط نظرت.


روان (بصوت منخفض، فيه كسر واضح): مش عاوزة أنزل.


تجمد للحظة، وابتسامته خفَت قليلًا، لكنه لم يفقد خفة دمه تمامًا، فقط صار صوته أهدأ، ونظرته أصدق.


إسلام (بلطف وهو يقترب منها أكثر): مالك يا رورو؟ في إيه؟


لم تجب.


كان الصمت هو الإجابة، والبكاء الذي حاولت إخفاءه... هو كل ما تبقّى.


كان إسلام واقفًا أمامها، يحاول قراءة ملامح وجهها، يبحث عن أي خيط قد يوصله لما يدور داخلها. لحظة... لحظة واحدة فقط، شعر فيها أن كل ما يحمله من خفة ظل لن يكون كافيًا هذه المرة.


ومع ذلك، قرر أن يحاول، بطريقته.


اقترب قليلًا، ثم شمّ رائحته فجأة وقال بنبرة مصطنعة من الذعر:


إسلام (مقاطعًا الصمت ومتفاجئًا): هو أنا نسيت الديودورانت ولا إيه؟!


كانت جملته خارجة تمامًا عن السياق، عبثية لدرجة أثارت ابتسامة خافتة على وجهها، لكنها كانت صادقة.

ابتسمت بلطف، وكأن قلبها استراح للحظة... لحظة قصيرة لكنها ثمينة.


استغل إسلام تلك اللحظة، جلس أمامها على ركبتيه، نظر إليها بعينين تغمرهما المحبة، وقال بصوتٍ أقل خفة، لكنه أكثر دفئًا:


إسلام (بحنان وهدوء): اضحكي يا روان...

اضحكي حتى لو الدنيا كلها رفضتك، حتى لو كل الناس بعدوا...

أنا مش هبعد.

أنا جنبك، وهفضل جنبك، لحد آخر نفس فيا.

إنتِ عارفة غلوتك عندي قد إيه، يا روان... صح؟


رفعت نظرها إليه ببطء، وكأن كلماته تُعيد لها شيئًا فقدته، شيء صغير لكنها كانت تحتاجه بشدّة في تلك اللحظة.

نظرت إليه بعينين مليئتين بالمحبة والامتنان، ثم قالت، بصوت خافت:


روان (بكل حب): عارفة... والله العظيم عارفة.

بس أنا...


تلعثمت، كانت تريد أن تُكمل، أن تُخرج ما في قلبها، لكن الكلمات خذلتها، خانها لسانها كما اعتاد أن يفعل حين يثقلها الألم.


لكنه لم ينتظر، لم يشأ أن يُحمّلها عبء الشرح، فقاطعها برفق:


إسلام (بابتسامة ناعمة وصوت حنون): بس إيه؟

انتي مفيكيش عيب واحد يا روان...

ده قلبك كبير أوي...

قلبك ده محتاج ناس تِقدّره، مش ناس تِكسَره.

صدقيني، محدش فيهم يستاهلك...

قومي يلا بقى، علشان ناكل ونغير الجو...

ويلا يا ستّي، مش خسارة فيكِ الـ ٦٠٠٠ جنيه القبض، واجيبلك بيهم لبس العيد كمان، إيه رأيك؟


ضحكت، ضحكة صغيرة لكنها حقيقية، ضحكة ما كانت لتخرج لولا وجوده.


مسحت دموعها بطرف كُمّها، وهي تقول:


روان (بنغمة ممتزجة بالضحك والبكاء): على كده نازلة أهو... بس الشاورما عليّ المرة دي!


إسلام (بمزاح): لا يا ماما، دي عزومة راجل... والمرة الجاية كمان!


وقف ومدّ يده لها، فأمسكت بها كأنها تتمسك بالحياة.


نهضت من مكانها، نظرت للمرايا للحظة، لكنها لم تعد ترى نفس الفتاة الحزينة كما قبل قليل...

كانت لا تزال مكسورة، نعم، لكن هناك يد تُمسك بها الآن.


ولأول مرة منذ أيام، شعرت أن خطواتها نحو الباب... لا تقودها إلى الخارج فقط، بل تقودها بعيدًا عن الألم.


تعليقات
banner: