الملتحي المتوحش الفصل الخامس

الملتحي المتوحش

الحلقة الخامسة


كان راتبها بالمدرسة بالإضافه لمعاش أبيها ومصروفها الشهري الذي أصر خالد على إعطاؤه لها بصفتها زوجته كل ذلك معا كان كافيا لتعيش هي وأمها مستورتين، أما قضية حسن فطالت مدتها وليس بها أمل كبير.


لكن خالد قال لها:
-لا تيأسي فقط قولي يارب وهو وحده قادر على حل كل مشكلة مهما كانت كبيرة
-لكن هذا المشكلة ليس لها حل
-بمقياسك أنت لكن كل شئ عند الله له حل ولكن في الوقت المناسب، كل ما علينا أن نحسن الظن بالله، وأكثري من الدعاء وأنتي ساجده في صلاتك


وقفت أتأمله وكأني أراه لأول مره وأنا أقول لنفسي من هذا ؟؟هل هو ملاك هو أم شيطان؟؟ أحقيقته كما يقول أم أنه يمثل علي ويخدعني كغيره؟؟ لم أعد أصدق أي شخص ولم تعد لدي ثقة بأحد، صدقه أو خداعه هذا ما ستظهره الأيام.


كان خالد يمر علي قبل ذهابه لعمله ليوصلني بسيارته الصغيرة القديمة ولكنها كانت أرحم بكثير من المواصلات وسخافات الناس فيها وزحامها واختناقي بالنقاب في الجو الحار، كان يسألني كل يوم قبل نزولنا هل صليت ؟؟ في أول يوم أجبته بالنفي فقال:
- سأنتظرك حتى تصلي.


شعرت بالخجل منه وذهبت للصلاة وأنا لست معتادة عليها،وفي الأيام التالية تكرر سؤاله فاعتدت أن أصلي قبل أن يأتي حتى لا ينتظرني ولا أشعر بالحرج أمامه.


في المدرسة كانت التقاليد أن كل مدرسة تؤدي بطلابها صلاة الظهر جماعة، فكان علي أن أعلم الأطفال كيفية الوضوء وأن أصلي معهم، في البداية كنت أشعر بالضيق لكني اعتدت على الصلاة معهم.


عند إنتهاء الدراسة كنت أحيانا أذهب لكليتي وأحيانا أعود للبيت ولا أكمل صلاتي لباقي اليوم. كان خالد يتصل بي مساءا ليطمئن على أحوالي وليعرف إن كانت لنا طلبات يحضرها أثناء عودته وأثناء ذلك يسألني عن صلواتي فأحيانا كنت أجيبه بنعم وأنا لم أصلها إنما لأتخلص من خجلي.


لكني توقفت يوما وسألت نفسي لم أحسب كل هذا الحساب لخالد؟؟ولم أخجل منه؟؟ولم لا أخجل من الله الذي منحني نعم كثيرة وأنا منقطعة عنه بل وأكذب وهو يعلم؟؟خجلت من نفسي كثيرا فأنا أعلم الأطفال الصدق وأنا كاذبة .


قررت أن أنتظم في الصلاة لنيل رضا الله وليس خالد، لكن الأمر كان شاق جدا فكنت أنسى أحيانا وأتكاسل أحيانا،ثم أخجل من نفسي وأعود للصلاة، وخالد يتابعني كل يوم بأسئلته ،حتى كدت ذات يوم أن أصرخ بوجهه وأقول له: هذا ليس شأنك..ثم تراجعت وقلت ربما جعله الله سبب لصلاتي .


ظلت علاقتي بخالد جافه لاتتجاوز الرسميات حتى عندما يصطحبني للمدرسة في الصباح أظل صامتة إلا عندما يسألني عن شئ فأجيب، وذات يوم أثناء توصيله لي قال:


- أريد منك شيئا ولكني أشعر بالخجل منك
-قل ماتريد
-لقد تعبت من غسيل ملابسي على يدي ولا أعرف كيف أستعمل الغسالة حاولت مرارا وفشلت هل تعرفين كيفية استخدامها ؟؟


ضحكت من خلف نقابي وقلت:
-عندما نعود سأذهب معك لشقتك لأريك كيف تستخدمها
-حقا ستصعدين عندي؟؟
-ألست زوجي أمام الله والناس؟؟أم أنك تنوي أن تفعل شئ سيئ؟؟



نظر إلي وضحك وقال :
-حقا لقد نسيت تماما إنك زوجتي وربما ظننتك بنت الجيران فقط وأردت أن أجر قدمك للرذيلة، ضحكت ونظرت إليه عندما يبتسم ويتخلى عن تجهمه يتحول لشخص أخر تماما.


عند عودته مر علي وصعدت معه للشقه وفتح الباب وتعمد أن يتركه مفتوحا ، ذهلت عندما دخلت كانت شقته أشبه بخرابة ،لاشئ في مكانه، الأتربة تغطي كل الأسطح.


أطباق الطعام فوق المنضدة وعلى الأريكة بجوارملابس، كان البيت يعج بالفوضى، لاحظ ذهولي مما أرى فقال:
-أسف فلا أعرف كيف أرتب البيت فقد كانت والدتي رحمها الله هي من تفعل كل شئ، ها هي الغسالة.


-هات ماتريد غسله من الملابس
أحضرلي كومة كبيرة من الملابس ففرزتها وفصلت ذات الألوان الداكنة عن الفاتحة ووضعت الألوان الداكنة في الغساله وشرحت له كيفية تشغيلها وقمت بتشغيلها أمامه ثم طلبت ورقة وقلم وكتبت له كيفية غسيل كل نوع من الملابس وكمية المسحوق والأزرار التي يستخدمها ولصقتها على جانب الغسالة.


فضحك وقال:
- مهنة التدريس أثرت عليك كثيرا،يبدو أنك اعتدت على الطلبة الأغبياء فصرت تكتبين لهم المطلوب حتى لاينسونه.


ضحكت وقلت:
- الرجال لايفهمون كثيرا في أعمال النساء ولا يركزون فيما نقول وهذا أسهل كان حسن هكذا ، أيمكنني أن أطلب منك شئ؟؟


-بالطبع
-غدا أجازتي من العمل والكلية هل يمكنك أن تعطيني مفتاح شقتك ولا تتواجد قبل السابعة مساءا؟؟
- -لماذا؟؟


قالها وارتسمت على وجهه علامات التعجب فقلت:
-لأحول من تلك الفوضى مكان يصلح لمعيشة البشر
-شكرا لك ولكني لاأريد أن أتعبك معي
يبدو أنك مصر أن تنسى أني زوجتك وأن لك علي بعض الحقوق.


نظر إلي طويلا وارتسمت تلك الابتسامه التي أحبها على وجهه ولم يقل شيئا حتى قلت:
-يجب أن أنزل حالا.


كنت أظنه بلا قلب ولا مشاعر مجرد كائن متوحش متجهم دائما، لكني وجدته مختلفا يبتسم أحيانا ويفعل كل ما أريد ولايفرض علي شخصيته ولا رأيه،ولايشعرني أنني أقل منه شأنا،وحتى الأن لم يستغلني أو يعايرني بما حدث أو حتى يفضحني.


ترى هل كنت مخطئه بشأنه؟ أم أنه يتقن دوره وعندما يمتلكني سيظهر على حقيقته؟ الأيام كفيلة بإسقاط كل الأقنعة ورسم صورة حقيقية للبشر.


في اليوم التالي مر على في الصباح وترك لي المفتاح وقال:
-أرجوك لا تتعبي نفسك فسأخذ أجازة يوما وسأقوم بترتيبها
-لن تستطيع فعل ما تفعله النساء توكل على الله ولا تعد قبل السابعة.


تناولت إفطاري وصعدت لشقته وأنا حائرة من أين أبدأ، ثم قررت أن أبدأ بالأسوأ وهو المطبخ الذي استغرق تنظيفه حتى ظهرت معالمه الرئيسية قرابة الثلاث ساعات ونصف ثم رششته بمبيد حشري قوي وأغلقت بابه ووصلت لغرفة والدته كانت مرتبة كما تركتها أخر مرة فاكتفيت بتهويتها وإعادة ترتيب السرير. 


كانت أمامي موقعتان كلتاهما أسوأ من الأخرى فبدأت بالصالة وجمعت كمية من الملابس والجوارب وضعتها في الحمام تمهيدا لغسلها وبدأت حملة النظافة التي أنهكتني .


قررت أن أستريح وأصلي الظهر قبل أذان العصر وشربت كوبا من الشاي ثم دخلت للموقعة الكبرى وهي غرفة خالد، لاأدري لم شعرت بالخجل ربما لأنها كانت أول مرة أدخل غرفة رجل غير حسن.


 كانت بلا معالم واضحة إنما أهم سماتها هي الفوضى العارمة ولفت نظري أنه يحتفظ بين أوراقه على صورة لوالدته لأنه كان شديد الإرتباط بها ، وبعد أن حولتها لغرفة أدميه تحولت للحمام الذي ظننت أن كل مساحيق الكوكب لن تنظفه ولكني نجحت أخيرا في تنظيفه.


عدت لغرفته مرة أخرى وأنا منهكة لأضع ملاءة على سريرة وأرتب كتبه وأوراقه، كنت متعبة جدا فاستلقيت على سريره ولم أشعر بنفسي إلا ويد تلمسني وصوت ينادي باسمي، فقمت مفزوعة فإذا به خالد يقف مبتسما ومندهشا فقد كنت أرتدي إحدي بيجامته وأغطي شعري بإيشارب مربوط من الخلف .


شعرت كأنه يراني عارية فسحبت طرف الملاءة وغطيت جسمي ورأسي وقلت له :
-أخرج حتى أبدل ملابسي
خرج مرتبكا وأغلق الباب فقمت وارتديت عباءتي ووضعت نقابي وخرجت وأنا أتعثر من الخجل.


 فقال مبتسما :
- لقد أعدت للبيت أدميته وذكرتيني بأمي رحمها الله، لكنك استوليت على بيجامتي.


قالها وضحك فقلت:
- لقد ابتلت ملابسي وخفت أن أبرد فارتديتها حتى أنهي عملي ولكني نمت على سريرك من التعب ولم أشعر بنفسي.


- فقال برقة لم أعهدها فيه من قبل
-شكرا لك لقد أتعبتك معي
ارتبكت فأشحت بوجهي عنه وقلت:


-لقد رتبت لك أشيائك في الدولاب وأرجوك حافظ على النظام وخاصة مايتبقى من الطعام والعلب ضعها في كيس وأخرجها للزبال وهو يمر يوميا ،ولو احتجت لأي شئ أخبرني.


-شكرا لك
- سأغسل بيجامتك عندي ثم أعيدها إليك
-أرجوكي لاتغسليها أريدها هكذا
تعجبت من رغبته وقلت
- سأعيدها لك في الصباح.

تعليقات
تعليق واحد
إرسال تعليق
  • غير معرف 6/12/2022

    جميله

    إرسال ردحذف



    وضع القراءة :
    حجم الخط
    +
    16
    -
    تباعد السطور
    +
    2
    -